شمس اليوم نيوز:
ليس خفيا لمن يتابع التجاذبات الاخيرة في لعبة شد الحبال ما بين توجهين أساسين في الساحة السياسية التونسية بان الشعب التونسي في واد و النخب الحاكمة في واد آخر.
و للأسف الشديد تفتقد تلك النخب ثقافة العصرنة المجبولة بالحس الوطني البرغماتية التي تميز بها رجالات و بناة دولة الاستقلال من مختلف التيارات الايديولوجية و المشارب الفكرية في العالم و الذين نجحوا الى حد كبير ببناء دولة وطنية تمتاز بالحد الادنى لمقومات يستطاع البناء و التطوير على أسسها .
و صحيح أيضا هو دخول تونس منذ بداية القرن الواحد و العشرين بمرحلة الترهل حين بدأت لوبيات الفساد بالتغول شيئا فشيئا في مفاصل الاقتصاد و الادارة المالية و السلطات التنفيذية و لكن مناعة الدولة الوطنية العميقة منعت الانهيار للدولة الوطنية انهيارا دراماتيكيا.
و لحسن الحظ كانت ثورة الشعب التونسي بمستوى انتفاضة مدوية و جرعة ضرورية لانتعاش و تصويب مسار البلاد نحو التطوير.و كان هذا ممكنا جدا لولا سرعة انتفاضة القوى المضادة الفاسدة المنتفعة من كل الامتيازات و سرعتها في عقد تحالف تاريخي مع الاسلام السياسي مبني على تحالف سابق كان قد تم في مدينة سوسة برعاية امريكية و حضور القيادي في حركة النهضة حمادي الجبالي عام 2006 . و كانت نتيجة ذلك التحالف أكبر عملية استحضار و جلب شبيهة بإنزال عسكري لقيادة الاسلام السياسي و على رأسهم السيد راشد الغنوشي تضاهي تلك العملية انزال النورمندي على سواحل فرنسا و على رأسه الجنرال ديغول.
فخلال أحداث ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي لم يظهر في الساحات أي من قيادات الاسلام السياسي على الاطلاق ؛ و لكن الغريب في الامر أن القوى الحية و الحداثية للمعارضة و حتى التي كانت منضوية في النظام السائد لبن علي دفعت قسرا الى الخلف و فتحت صراعات مجانية حول الهوية و الدين و تم تحريف المسار الثوري الاصلاحي بخبث استطاعت فيه النهضة وضع يدها على الحكم بالتحالف مع قوى الشد الى الوراء من لوبيات الفساد .
و لعل تونس كانت محظوظة جدا بأنها لم تدخل الدوامة السورية أو الدوامة الليبية و مع ذلك فان ما وصلت اليه الامور في تونس بعد عشر سنوات لا يبشر بالخير لا على الصعيد الاقتصادي و لا عل صعيد التنمية و لا على صعيد الاصلاحات الكبرى و لا على الصعيد التشريعي .
و زادت الازمات باجتياح وباء الكورونا و بسط تداعياته السلبية الاقتصادية و الصحية على العالم ولم يعد في الامكان التغاضي عن المعارك الصبيانية الذاتية للأشخاص أو اللوبيات الفاسدة للعب بمصير الشعب التونسي الذي انهكته تلك الصراعات بلقمة عيشه و مستوى معيشته المتدنية و خطر افلاس الدولة و من المعيب و المخجل أن تمارس النخب السياسية الحاكمة ترف مسيرات استعراض القوى على شعب يئن من ضغوطات و مستلزمات الحياة حيث ترهق تلك النخب كاهل الشعب بقوانين و بروتوكولات صحية أدت الى افلاس الاف الشركات و مثلها الاف المشاريع الصغرى .
نعم ان ممارسة ترف المسيرات للنخب السياسية الحاكمة في ظل انتشار وباء الكورونا الكثيف لهو بمثابة المس بالأمن القومي للبلاد فحذاري حذاري من الانهيار الكامل .
و للتذكير فان تونس و شعبها رغم كل الهنات هم أبناء حضارة مدنية منذ الحضارة القبسية في قفصة التي يفوق عمرها الثمانية الاف عام و ليس كما يروج الكثيرين انها فقط من عصر قرطاج أي ثلاثة ألاف عام.
ناصر التليلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.